الخلايا الجذعية ومستقبل الطب
بقلم : محمد خليفة
كاتب من الإمارات
في عام 1962 اكتشف العالم الأمريكي جيمس واطسون ، تركيب المادة الوراثية أو ما يسمّى DNA ، وكان هذا الكشف فتحاً جديداً في العلوم الطبية ، ومّهد السبيل لنشأة علم الهندسة الوراثية ، وسرعان ما تطور هذا العلم الجديد وأصبح تخصصاً علمياً قائماً بذاته ، وامتدت يد الهندسة الوراثية لتطال الإنسان والحيوان والنبات ، فظهرت منتجات غذائية تم تعديلها وراثياً في المخابر ، وذلك بـأن أضيف إليها جينات مـن نباتات أخرى أو من حيوانات أو حشرات . وظهر أيضاً الاستنساخ وطبّقت تجاربه على الإنسان والحيوان ، ولعلّ المكسب الكبير الذي أحرزه الإنسان من وراء علم الهندسة الوراثية هو اكتشاف الخلايا الجذعية أو ما يسمَّى "خلايا المنشأ" ، وتعرَّف هذه الخلايا بأنها : هي التي تقوم بتكوين الجنين في الرحم ، ومن ثم تستمر في أماكن معينة من جسم الإنسان بعد الولادة ، وهذه الخلايا لها قدرة عجيبة على التخليق ، وهي من الذكاء بحيث أنها تعرف موضع كل عضو في جسم الإنسان ، فهي لا تخطئ في مكان العينين بأن تضعهما مثلاً في الجسم بدلاً من وضعهما في الوجه ، ولا تخطئ أيضاً في مكان الرأي فتضعهم في أسفل الجسم بـدلاً مـن وضعه في أعلاه ، وهي لا تترك شاردة ولا واردة فـي جسم الإنسان إلاّ وتعرفها . وهذه الخلايـا الذكية بات الوصول إليها هدفاً يطمح إليه العلماء والمشتغلون بالحقل الطبي ؛ لأن هذه الخلايا بات يُنظر إليها بوصفها منجماً لقطع غيار بشرية ، وللوصول إليها اْقترح العلماء إتاحة الفرصة أمامهم للقيام بالاستنساخ لا بفرض إنتاج إنسان مستنسخ بل من أجل مساعدة المرضى المحتاجين إلى المساعدة .
ويسعى الأطباء في الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على تراخيص من الجهات الرسمية لإنشاء عيادات لخلايا المنشأ ، لكن الكثير من الحكومات في الغرب مازالت تمنع الاستنساخ خوفاً من إفلات المارد من القمقم ، إلا أن اتجاهات الطب الحديث تصب في مصلحة الساعين للحصول على خلايا المنشأ ، ذلك أن عجز الطب عن معالجة الكثير من الحالات المرضية سوف يؤدي إلى توفير الأرضية المناسبة لأن تأخذ خلايا المنشأ مكانها الطبيعي في الحقل الطبي . فكم هناك من المرضى في العالم من يعانون من القصور الكلوي ، وهؤلاء يحتاجون إلى كلية لمتابعة حياتهم ، وكم هناك من الأشخاص من بُترت أيديهم أو أرجلهم أو تشوهت أجسامهم أو وجوههم ، وهؤلاء يطمحون إلى حلّ يريحهم من آلامهم الجسدية والنفسية ، ويعيدهم أشخاصاً فاعلين إلى المجتمع .
والحل طبعاً في خلايا المنشأ ، فمن يحتاج إلى كلية سيكون بإمكانه شراءها من أحد بنوك هذه الخلايا ، ومن ثم وضعها في جسمه لتعود له الحياة ، ومن يحتاج إلى يد سيكون بمقدوره أيضاً الحصول عليها من تلك البنوك ، وهكذا ستتوفر في خلايا المنشأ حلول للكثير من المرضى في العالم مازال الطب عاجزاً عن علاجهم ، ولا نخطئ إذا قلنا إن مستقبل الطب مرهون بالتقدم على صعيد خلايا المنشأ ؛ لأن قدرة هذه الخلايا التعجيبة على الخلق ستفتح أمام الطب مجالات واسعة للعلاج لم تكن تخطر على بال من قبل ، لذلك فإن إتاحة المجال أمام خلايا المنشأ لتأخذ مكانها الطبيعي في الطب الحديث هو أمر يجب أن يتحقق والخوف من خروج المارد من القمقم لن يسهم إلا في عرقلة مسيرة العلم التي لا تعرف الحدود .